هل تكذب النفس علينا؟
الجواب: نعم، النفس تكذب علينا
قد يبدو الأمر غريب، لكننا كثيراً ما نخدع أنفسنا، ليس بقصد الكذب، بل بدافع الحماية أو التهرب أو البحث عن الراحة المؤقتة.
فكم مرة قلت لنفسك: "أنا بخير " بينما كنت تحمل في داخلك الكثير من الألم، أو وعدت نفسك: "سأبدأ غداً" ومرت أيام وربما أسابيع دون أن تفعل شيئ
تلك هي أكاذيب النفس.
ما هي أكاذيب النفس؟
ليست أكاذيب متعمدة، بل خداع خفي
هذه الأكاذيب لا تكون دائماً كذب صريح، بل غالباً ما تكون مغلفة بالتبرير أو الأمل الزائف.
إليك أمثلة شائعة:
- تزييف الواقع: العلاقة سيئة بينك و بين زوجتك، عقلك يقول لكنها ستتحسن من تلقاء نفسها يفعل ذلك هرباً من الواقع المزعج .
- التبرير المستمر: صحيح أن أكلي غير صحي، لكن لا بأس، سأبدأ التمارين غداً (وغداً لا يأتي).
- إنكار المشاعر: لست حزين أبد (والدموع على وشك الانهيار).
- المبالغة في الإيجابية: كل شيء يسير على ما يرام (بينما تعيش وسط الفوضى).
- اختلاق الأعذار: لو كان لدي وقت أكثر، مال أكثر، موهبة أكثر... لنجحت (بدلاً من المحاولة الحقيقية).
لماذا نخدع أنفسنا بهذه الأكاذيب؟
لأن العقل يسعى لحمايتنا
يظن البعض أن الكذب على النفس ضعف، لكن في الواقع هو آلية دفاعية يستخدمها العقل لتفادي الألم أو التغيير المفاجئ.
إليك الأسباب الرئيسية:
1. الهروب من الألم
أحيانًا تكون الحقيقة موجعة، فنلجأ للكذب على أنفسنا لنشعر براحة مؤقتة.
2. حماية الصورة الذاتية
الاعتراف بالفشل أو التقصير يؤلم كبرياءنا، فنفضل الكذب حتى نحافظ على صورة مثالية عن أنفسنا.
3. الخوف من التغيير
مواجهة الحقيقة تتطلب قرارات صعبة، ونحن نحب الراحة، لذلك نكذب لنثبت الوضع الراهن.
4. التهرب من المسؤولية
عندما نقنع أنفسنا أن المشكلة ليست خطأنا، فإننا نتفادى اتخاذ قرارات أو تغييرات ضرورية.
5. الرغبة في القبول والانتماء
في بعض الأحيان، نكذب على أنفسنا لنتماشى مع الآخرين، لنشعر بالقبول والانتماء.
ما هي نتائج هذه الأكاذيب؟
راحة مؤقتة ... ثم ضرر طويل الأمد
رغم أن هذه الأكاذيب تمنحنا شعور بالراحة في البداية، إلا أنها كالقنبلة الموقوتة، تؤثر علينا سلباً بمرور الوقت بحيث :
1. تجميد النمو والتطور
لا يمكنك حل مشكلة تنكر وجودها، والكذب يمنعك من التقدم.
2. تدمير العلاقات
الكذب على النفس يقودك للكذب على من حولك، مما يهدم الثقة ويسبب مشكلات في التواصل.
3. توتر وقلق دائم
الحقيقة المكبوتة لا تختفي، بل تظل تضغط في الداخل وتسبب توتر مستمر.
4. ضياع الوقت والفرص
"سأبدأ غداً" (اشهر جملة عرفها التاريخ 😅) قد تتحول إلى شهور أو سنوات من التأجيل وخسارة للفرص.
5. شعور بالفراغ وعدم الأصالة
عندما تعيش حياة لا تعكس حقيقتك، تبدأ تشعر بالزيف وعدم الرضا.
كيف نتوقف عن خداع أنفسنا؟
الخبر السار: بإمكانك التحرر من هذه الأكاذيب
التغيير يبدأ بخطوة صغيرة نحو الصدق مع الذات.
إليك كيف:
1. تعرّف على الأكاذيب التي ترددها لنفسك
راقب العبارات التالية:
- "أنا دائماً أفشل"، "أبداً لا أنجح"، "سأفعل ذلك غداً"، "يجب أن أكون مثالي".
- تبرير السلوكيات السلبية بشكل متكرر.
- تجاهل مشاعرك أو إنكارها رغم وضوحها.
2. اسأل نفسك أسئلة صادقة
أسئلة تفتح لك باب الوعي:
- ما هو الشيء الذي أخاف من مواجهته؟
- لو كان صديقي في نفس موقفي، ماذا كنت سأقول له؟
- ما الدليل على صحة (أو خطأ) الفكرة التي أؤمن بها الآن؟
3. مارس التأمل والوعي الذاتي
خطوات بسيطة:
- خذ وقت للجلوس مع نفسك في هدوء.
- دون أفكارك ومشاعرك بانتظام.
- لاحظ تصرفاتك وأنماطك دون إصدار أحكام.
4. تقبّل مشاعرك وعدم كمالك
تذكر:
- من الطبيعي أن تشعر بالحزن أو الإحباط أو الغضب.
- لا بأس في أن تكون غير مثالي، التقبل هو الخطوة الأولى نحو التغيير.
5. اطلب رأي صادق من أشخاص موثوقين
كيف تستفيد منهم:
- اختر شخص يحبك بصدق ولا يجامل.
- اطلب منه رأيه الصريح في موضوع محدد.
- استمع بانفتاح وتواضع، حتى لو كان الرأي صعب.
6. ابدأ بخطوات صغيرة
لا تحتاج لقفزة كبيرة، فقط:
- اعترف لنفسك بشعور صادق اليوم.
- نفذ إجراء بسيط تجاه هدف أجلته طويلاً.
- احتفل بشجاعتك في مواجهة الحقيقة.